الجمعة، 14 نوفمبر 2014

حوار مع الشاعرة سناء خوري


الشاعرة سناء خوري ـ من موقع اليرموك الإخبارية
في تفاصيل الحياة
درجت العادة أن يبدأ مَنْ يُجري الحوار بسرد شيء عن سيرة الشاعر، ولكنني شخصيًّـا، أحب أن أترك الشاعر نفسه يلتقط التفاصيل التي يريد أن يوصلها لمحبي كلمته، فماذا تلتقطين من تفاصيل حياتك؟
** إن وصف الأشياء والتفاصيل المدهشة في الغالب يُفقدها جمالها؛ لذلك سأختصر الفرح بقليل من تلك التفاصيل الممتلئة بالبهجة والذكريات الدافئة. فقد عشت طفولتي وأنا موشحة بالقصائد والنغم الجميل، وبدأت علاقتي مع الشعر وأنا أنسج أكثر إيقاعات الحياة فرحًا متنقلة ما بين المكتبة والكتب، وأنسج حكايات جعلتني ألتقط أنفاسي في عالم الحرف والكلمة. وهذا صنع مني امرأة تكتب بلونها المميز وحلمها البسيط، واستمرت الحكاية وكبر معي الحلم ليصبح واقعًا انعكس على ذاتي حتى أصبحت علاقتي بالحرف كما هي الآن، واطلقت صوتي يسابق الريح؛ ليصل إلى كل محبي الكلمة، بكل دفء ورومانسية وجرأة على مقاومة إحباطات الزمن.
تلك سناء الشاعرة، أما بيانات التعريف بشخصيتي، فأنا من مواليد عام 1972 في عنجرة. درست في جامعة اليرموك الأدب الإنجليزي، ومارست مهنة التدريس في مدرسة الروم الأرثوذكس لعدة أعوام، ثم انتقلت أسرتنا الى عمان، وعملت هنالك معلِّمة، أيضًا، وبعدها تزوجت، وانتقلت الى مدينة العقبة مع زوجي، وغيرت مساري المهني، فابتعدت عن التدريس وانخرطت بالعمل الحكومي، وعدت مؤخرًا للحياة في عمان مع زوجي وأطفالي الرائعين.
* أنت من "عجلون" التي تربض على أحد جبالها قلعة تاريخية، وتحديدًا من "عنجرة" ذات الطبيعة الجبلية، وغابات الأشجار الكثيفة، والينابيع، والطقس الشتوي القاسي.. هذا كله، كيف أثر في شخصيتك الشعرية؟
** البيئة قادرة على استحضار المشاعر الدافئة والمدهشة فعلاً، وقادرة على خلق علاقة رائعة ما بينها وبين الإنسان المبدع لبناء التصالح الداخلي، وابقاء وهج الشعر مشتعلاً ومتمردًا عبر نوافد الحنين؛ فعجلون ببيئتها، وغاباتها، وأشجارها، ودحنونها.. وبحجارتها وقلعتها الشامخة كشموخ أبنائها.. وبشتائها القاسي بمطره وثلجه.. وبرائحة التراب لحظة سقوط حبات المطر.. كل هذا انعكس على شخصيتي، وصنع مني امرأة عاشقة للأرض، والتاريخ المجيد، وخلق فيَّ روح الإبداع، وحملني على أجنحة التميز؛ فالطبيعة الساحرة تهبُ للنفس التأمل، وللروح سكينتها، وهذا ما يحتاجه الإنسان الدي يحاول بث الإبداع في نفسه ونفوس الآخرين؛ فالمكان إن لم يكن أحد أسباب الإبداع، فهو أهمها، وهذا كان يظهر جليًّا في قصائد الشعراء الذين تغنوا بالمكان. إن سحر قريتي زجَّ بي نحو فضاءات الكلمة وحقول الابداع، وجعل مني امرأة على شكل قصيدة لها صوتها المفتوح على الحياة.
* ذكرتِ أن التخصص الدراسي، كان في الأدب الإنجليزي، هل تشعرين أن ملامح هذه الثقافة المختلفة تسللت إلى شعرك؟
** ما من شيء في هذة الحياة لا يؤثر في تشكيل ثقافتنا بوصفنا شعراء؛ فأنا، بطبيعتي، إنسانة عاشقة للحرف العربي والقصيدة العربية، وإن كنت قد أقحمت نفسي في دراسة الأدب الإنجليزي، فأعتقد أن هذا الإقحام ساعدني كثيرًا على الانفتاح على ثقافات الأمم الأخرى؛ فعلى سبيل المثال، كان اطلاعي على مسرحيات شكسبير، وقصص أجاثا كريستي.. وقراءاتي لما كتب جين أوستن، وتشارلز ديكنز، وجورج إليوت، وجورج برنارد شو، وآدم سميث، وغيرهم، الأثر الكبير في نسج تفاصيل مختلفة، وتجلي فلسفة أخرى تساعد على إدراك معنى الحياة الأسمى، وعلى تنمية اتجاهات فكرية متنوعة تساعدني على التقدم نحو الأفضل.
* أنتِ امرأة، ولديك زوج، وأطفال.. إلى أي حد يمكن أن تُقيد هذه الأمور الشاعرة العربية؟
** ليس بالضرورة أن يكون هنالك شيء في هذا العالم يستطيع أن يكون حِجرًا على الشاعر الحقيقي وإبداعاته، بل على العكس،  فقد كانت جميعها عندي محفزات تساعد على الانطلاق والتقدم؛ فحين يكون في حياتنا أحبة نعشق وجودهم، ونستمد منهم الطاقة.. فإن هذه الأمور كلها تقودنا إلى تقديم المزيد. ليس بالضرورة أن يقيد وجود العائلة الشاعرة؛ فالكتابة الإبداعية حالة انشغال بهم ومعهم، وليست انشغالاً عنهم. وعمومًا، تبدو المسألة برمتها بحاجة إلى ترتيب وتنظيم، والمرأة باعتقادي قادرة بطبيعتها على خلق توازن بين كل الأشياء، وإعطاء الأولويات بحسب طبيعة حياتها.
* أنت، أيضًا، موظفة، وأم.. في ضوء مشاغلك الكثيرة، متى تشعرين أن القصيدة تداهمك، وأين؟
** أنا لا أومن حقيقة أن هنالك أوقاتاً محددة تداهمنا القصيدة فيها.. القصيدة تداهمنا في كل وقت، وفي كل مكان؛ فهي تنقضُّ علي وتحدث انشطارًا في روحي لا أستطيع تفسيره، إنها انعكاس داخلي لما أكون عليه، وربما تكون شرارتها نتيجة ما يحدث لي، أو ما يحدث في أي مكان من العالم الواسع. وكوني أمًّـا وامرأة عاملة، لا يعني إهمالي لأكثر الأشياء المدهشة التي أعشقها من حياتي. ولكن أعترف أن لحظات الوجع والحزن والإحباط والتعب.. أكثر إشعالاً لفتيل الشعر؛ إذ أحسُّ لحظة تشكيل القصيدة، أنني أنزف شعرًا، وأنني أقيم علاقة حياة ما بيني وبين الشعر بحيث يكون الشعر بمنزلة البديل عن الموت.إن الشعر قدري، يسكنني، وينتابني إحساس يقيني بأنه جزء من ماء عيوني، ومن نبض قلبي، ودم عروقي.. إنني ألتقط من الشعرخبزي اليومي.. دائمًا يتحقق الوعد بالنزف، ليعطي روحي سحرها وجنونها.
في التجربة الشعرية
* ديوانك الصادر عن وزارة الثقافة بمناسبة إعلان "عجلون" مدينة الثقافة الأردنية في عام 2013، هو الأول، وقد جاء بعد كتبات كثيرة على الإنترنت. صفي لنا شعورك بعد أن تسلمت النسخة الأولى منه مطبوعة؟
* * كانت لحظة لها طعمها الخاص، ولن تسقط من ذاكرتي أبدًا.. لحظة استحقت مني كل ساعات السهر، وابقاء ضوء غرفتي مشتعلاً حتى ساعات متأخرة من الليل وأنا أقرأ وأكتب وأصحح وأرمي بالورق.. لحظات أدركت فيها أن مَنْ لم يشرب من بئر التجربة يموت مثخنًا بالخوف والتردد. في تلك اللحظة استرجعت ذاكرتي كشريط سينمائي لا يتوقف إلا عند حدود الكتابة وزاوية الحرف. كنت فخورة بنفسي، ومستمتعة بجنوني وتمردي الذي نسجته على الورق، وشعرت بأن أحلامي الآن قد ابتدأت. ولا أخفيك، كانت لحظات مشحونة بالخوف أيضًا لما سيحدث لاحقًا، أعني بعد أن يصبح الديوان بين يدي القارئ، ولكن بكل الحالات كنتُ سعيدة سعادة مطلقة. من المؤكد أن الإنسان يشعر بالسعادة، أيضًا، حين ينشر على الإنترنت، ولكن ليس بستوى تحول ما كتبته على الشاشة الزرقاء كاملاً بصورة " كتاب " أضمه إلى صدري، وأحمله معي حيث أذهب.
* تبع صدور هذا الديوان أنشطة ثقافية لك، منها: حفل إشهار له في دائرة المكتبة الوطنية في 20 تشرين الثاني 2013، ولقاءات في التلفزيون الأردني، وقناة رؤيا، وإحدى القنوات العربية. إضافة إلى أمسيات شعرية متتالية. هل أنت راضية عما حظي به هذا الديوان من احتفاء به؟
* * في البداية، أشكر الله سبحانه وتعالى على نعمه العديدة التي منحني إياها. وعليَّ أن أعترف أنني لم أتوقع لديواني الأول أن يحظى بما حظي به من تغطية إعلامية على مستوى الصحف اليومية والإذاعة والتلفزيون؛ فانا امرأة أحب ممارسة حريتي وجرأتي بالكتابة، وأشعر أن ما كتبته كان مضمخًا بحبر روحي ونبض أصابعي. أنا راضية كل الرضا عن كل ما تبع نشر هذا الديوان، ومن الضرورة أن أشير، هنا، إلى أن الرضا لم يدفعني للغرور والتكاسل والرتابة وغير ذلك من المشاعر السلبية، بل دفعني إلى الإيمان بأنني أصبحت أمام مسؤولية أكبر، تتمثل في أن أمضي بخطوات أخرى جديدة وواثقة في هذه الطريق التي حتمًا ستكون طويلة ومتعبة .
* رأى بعض المهتمين بالشأن الأدبي، أن ما جاء في الديوان ليس شعرًا، بل خواطر نثرية مشحونة بالوهج الشعري، وأسماه "الكتاب" بدل أن يسميه "الديوان". أتُضايقكِ محاولة إخراجك من الشعر إلى فن الخاطرة، وهو جنس أدبي آخر؟
** دعني أجيبك بصراحة، ولن أتحول هنا إلى ناقدة بحتة، علمًا أن في داخل كل مبدع شخية أخرى تشاركه الحياة هي شخصية الناقد، ولكنه لا يسمح لها بالظهور إلا حين يجد أن ما في الخارج يهدد حياة شعره، فيضيء شيئًا ما، ثم يعود من حيث أتى.. إلى الشعر. مهما يكن من أمر؛ فالذين ذهبوا هذا المذهب حاكموا النص من زاوية التطوير في العروض الخليلي، أو بتعبير أكثر دقة، من زاوية شعر التفعيلة، وهو الشعر الحر الذي نادت به نازك الملائكة وبدر شاكر السياب في عام 1947. لقد غاب عن هؤلاء وجود شيء اسمه "قصيدة النثر" التي لها موسيقاها الخاصة. وأنا ألتمس لهؤلاء عذرًا؛ لأن قصيدة النثر ما زالت في نقدنا العربي على الرغم من كثرة الكتابة فيها عند الشعراء، ضبابية الملامح. ولكن هذا لا يعني إخراج هذا الشعر إلى الخاطرة، وطرح تسمية "ديوان" لتُستخدم تسمية "كتاب"، بكل هذه البساطة. وقد ذكَّرني هذا الموقف بما فعل العقاد حين وردت إليه قصائد من الشعر الحر، فأحالها إلى باب "الخاطرة". في النهاية، أنا أكتب، وليست تعنيني الأحكام النقدية الصادرة حول شعري إلى الحد الذي يجعلني أتوقف عن الشعر؛ لأن الشعر بالنسبة لي حياة.
* ذهب أحد الدارسين في مقال صحفي إلى أن الكتاب جاء في جزئين: "عشق وجنون"، وهو الأحدث، و"عزف منفرد" وهو الأقدم، وأكد أن الأحدث يتفوق فنيًّـا على الآخر. هل هذا حصل فعلاً؟ ولماذا لم تجعلي النصوص متداخلة بل مبنية بناء زمنيًّـا؟
* * نعم حصل ذلك؛ فقد كانت قصائد الديوان مكتوبة ضمن فترات زمنية مختلفة؛ فالجزء الأول: عشق وجنون هو الأحدث في معظم قصائده، أما الجزء الثاني: عزف منفرد هو الأقدم وغالبية القصائد فيه كانت أيام دراستي الجامعية، وهكذا، جاء التباين بين الجزئين السابقين واضحًا؛ لأن تجربتي الشعرية لم تكن بالمستوى الذي صرتُ عليه الآن، ولم أحاول التغيير فيها لاحقًا؛ لكونها شاهدة على زمن ما من حياتي. لا شك في أن الجزء الأول تفوق أكثر؛ لأن تجربتي تفتحت بصورة مدهشة، واتسعت معرفتي ومخزوني الثقافي نتيجة المطالعة المستمرة وتطوير نفسي. وبالرغم من ذلك، فإن ضيق الوقت لتقديم الديوان ضمن إصدارات مدينة عجلون عاصمة الثقافة الأردنية أربكني، وكان التحدي الأكبر أن أقدمه خلال الفترة الزمنية المتاحة لي.
* لكِ تجربة في كتابة القصة القصيرة، ولكن البعض يرى أن صوتك الأحادي بقي مهيمنًا، بمعنى أننا لا نجد تجليًا للحوار، وغير ذلك من عناصر بناء القصة، فبقينا نسمع صوتك وحده: المرأة التي تبث خطابها للرجل. برأيك لماذا هيمن هذا الصوت الوحيد، ولم تظهر تجليات القصة القصيرة في تجربتك؟
* * فعلاً، لي تجربة واحدة فقط، وهي قصة بسيطة كتبتها في أوائل التسعينيات، لكنها لم تكن مؤثرة إلى درجة توجيه شعري في اتجاه ما؛ إذ لم أستمر في الكتابة بها، والتعمق في تقنياتها، على الرغم من إعجاب مَنْ قرأها بها، من جهة أولى، وعلى الرغم من قراءاتي الواسعة في مجال كتابة القصة والرواية. ربما يكون صوتي وحده المهيمن في تجربتي الحالية، كما يرى هؤلاء، ولكن تبقى لهذا الصوت دلالته التي يمكن أن يكشف عنه الدارسون في المستقبل، وعن تطور التجربة إلى الحوار، وتوظيف تداخل الأصوات.
* معظم هذه القصائد نُشر على صفحتك في "الفيسبوك"، ما الذي منحك إياه هذا الموقع في الكتابة على مستوى التجربة نفسها، وعلى مستوى لغة الشعر؟
** إن لمواقع التواصل الاجتماعية أهمية كبيرة تلعبها في حياتنا، ومن الخطأ ترك الاستفادة منها. لقد أوجد الفيسبوك فضاءً رحبًا من الحرية المطلقة، وجعل من العالم قرية صغيرة نتواصل من خلاله مع الآخرين في أغلب دول العالم. وهذا ما يجعل الفيسبوك يقدم رؤية جديدة للإبداع في مضمونه وحجمه.. ما يشجعني على البوح. ويسهم في تداول النصوص الطازجة بين الأصدقاء والقراء بسهولة وسرعة بحيث لم أعد أشعر أنني بحاجة إلى الصحف والمجلات ودور النشر. لقد أثر الفيسبوك في تجربتي الشعرية، وجعلها قابلة للانتشار لحظيًّـا، فيقرؤها آلاف المشتركين، ما يعطي الإحساس بأن لي مكانًا معينًا على خارطة الإبداع. هذا الإحساس لا تحققه الصحافة الورقية التي تجعلك تنتظر طويلاً حتى يُنشر ما أرسلته إليها، وتجعلك بمعزل عن ردود فعل القراء تجاه ما كتبت؛ فمن خلال الحوار والتعليقات التي يكتبها الأصدقاء سواء أكانوا مختصين بالأدب ونقده أم غير مختصين، يحدث التأثير الإيجابي في التجربة. ليس من السهل غض النظر عما يُكتَب؛ لأن بعضها يثري تجربتي الشعرية، ويجعلني أنتبه إلى أشياء فاتتني أو أغفلتها. هذا التفاعل الحي، يشحن طاقتي على الإبداع المتواصل؛ إذ ينتابني شعور دائم بأن القارئ ينتظر ما سأكتب له.
باختصار، يبدو لي الفيسبوك مرآةً، أرى من خلالها شعري في عيون الآخرين، من المؤكد أنني أكون سعيدة بالرؤية الإيجابية، ولكن من الوجهة المقابلة، ليس يضيرني أن تكون هذه الرؤية سلبية؛ فنحن نبحث دائمًا عن الحقيقة حتى إن كانت موجعة.
في المستقبل
* ذكرتِ في محاورة إعلامية بُثت عبر التلفزيون الأردني أنك تُعدين لديوان آخر، هل تعتقدين أنك ستواصلين المضي في الطريق نفسها التي بدأت بها في ديوان "رقص على وجع الغياب".
** ما زلتُ أرى أن "رقص على وجع الغياب" هو البداية فقط، وانا لدي الآن نصوص وقصائد تكفي لديوان أخر، ولكن أحب أن أتقدم بالتدريج؛ حتى تتشكل تجربتي وتنمو، وهذا يحتاج الى وقت وجهد وتعب. ومن طبيعة التجربة الأولى أن تكون محفوفة بالثغرات، وتجاوزها، وفي الوقت نفسه، البناء على النقاط المشرقة، سيجعلان خُطاي المستقبلية واثقة من الأرض التي تطأ عليها. وحقيقة أنا أعشق ديواني هذا، بل أعشق كل حرف فيه. وسأحاول المضي في الطريق التي ارتضيتها لنفسي؛ فأنا امراة حالمة ورومانسية، وأعشق الحياة بكل جمالها. وأعتقد أن هذه الطبيعة التي جُبلتُ عليها كافية لإنتاج قصائد لا تكرر نفسها.
* الصوت النسوي في الشعر، آخذ بالانتشار. ما مستوى رضاك عن الاهتمام النقدي به، وماذا تطلبين من النقاد حول تجربتك الحالية "رقص على وجع الغياب"، والتجربة التي تُعدِّين لها؟
* * بكل بساطة، أعتقد أن الصوت النسوي، في هذه المرحلة، تطور كثيرًا عن السابق، وأن المرأة نفسها، أصبحت قادرة على المشاركة في بناء وتطوير الشعر ونقده، بعد أن عاشت ردحًا من الزمن مهمشة، وبعيدة عن الأضواء. وللانفتاح الثقافي والمعرفي والاجتماعي الذي شهده العالم مؤخرًا أثره الكبير في تسريع ذلك. إضافة إلى الوعي بدورها المهم في بناء الحضارة إلى جانب الرجل، وليس من المبالغة في شيء القول: إنها تشكل نصف المجتمع، إن لم يكن بأكمله؛ لأنها التي تُنجب النصف الثاني، وتعتني بتربيته بحكم "الأمومة". ليس ما أقوله تحيز مني إلى صف المرأة، ولكن هذا ما يحدث. والمرأة  بطبيعتها قادرة على وصف مشاعر المرأة بجرأة وصدق اكثرمما يمكن أن يفعله الرجل، وربما يعود ذلك إلى أسباب تتعلق بخصوصية العاطفة الأنثوية، وكونها تعبر عن صوتها بالنهاية، وعن صوت بنات جنسها من خلال ذاتها الأنثوية الأكثر إحساسًا. أما بالنسبة لمستوى الرضا عن اهتمام النقاد بالصوت النسوي، فأتمنى ألاَّ يقترن النقد بوجود جنسين في الشعر: جنس ذكوري، وجنس أنثوي؛ لأن هذا التصنيف للأدب مجحف للطرفين كليهما، والنقد يجب أن يُوجه للنص نفسه، والقضية التي يعالجها، والظروف التي أسهمت في تشكيله، وغير ذلك من القضايا الفنية، بصرف النظر عن جنس الشاعر. إنني مع النقد الذي يتوخى الموضوعية، وبخصوص ديواني "الرقص على وجع الغياب"، أعتقد أنه نال قسطًا وافرًا من نصيبه في النقد، وأن الآراء التي طُرحت حوله محط احترامي، وسأعمل جاهدة على مراعاة عدم الوقوع بالثغرات التي أُشير إليها؛ لأنها صادرة عن أساتذة ورواد بالوسط الثقافي، ويستحقون منا ـ نحن الشعراء ـ التقدير. وكما أسلفتُ: ما زلت في أول الطريق، ولديَّ الاستعداد الكامل للتعلم والاستفادة من خبرات وتجارب الآخرين؛ كي أكون راضيًا عمَّا أدفع به للقارئ.
* بما أنك تنشرين شعرك على "الفيسبوك" قبل صدوره ورقيًّـا، ما الرسالة التي توجهينها لقراء صفحتك، بشكل خاص، وقُراء شعر المرأة على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، بشكل عام؟
* * كما أشرت في السابق، فإن عالم الفيسبوك، إضافة إلى مواقع التواصل الاجتماعية الأخرى، عالم جميل وراقٍ ومدهش لنشر الكلمة الصادقة والمبدعة لكل محبي الكلمة. وفي هذا الكون الجميل، قراء صفحتي هم بالحقيقة أصدقائي، وأقدم لهم تحية محبة واعتزاز؛ لتواصلهم الدائم معي، وعبق كلماتهم التي تثري صفحتي، فتجعلها أجمل برقي حضورهم فيها، ومحبتهم المدهشة للشعر التي تجعلني أشعر بالسعادة. ورسالتي إليهم، وإلى قراء شعر المرأة خصوصًا رسالة بسيطة، مضمونها: ليس بالضرورة أن كل ما تكتبه المرأة من شعر يعكس تجربتها الذاتية أو مشاعرها التي تجول في داخلها فعلاً؛ لأن المرأة، في النهاية، كتلة من الأحاسيس والمشاعر الفياضة، تحاول نقلها على الورق لتبث الحياة في الأشياء. إن المرأة الحقيقية ليست بالضرورة أن تكون الشاعرة الحقيقة، على مستوى المرور بالتجربة التي تعبر عنها؛ إذ ليس بالضرورة أن أموت كي أعبر عن الموت، يمكنني أن أكون أي إنسان في الشعر، وإن بحثت عني في الشعر؛ لتطابقني مع الواقع، فلن تجدني. فأتمنى ان نقرأ ما تكتب المرأة من منطلق أننا نقرأ شعرًا، وألاَّ نحارب إبداعها، ونتطرف في إصدار الأحكام عليها؛ لكونها امرأه. هناك تجارب نسوية شعرية وقصصية رائعة ومدهشة، ولدينا رائدات في هذا المجال على مستوى الوطن العربي وفي العالم. لهذا كله، أتمنى من الرجل، في مواقعه المختلفة: الناقد، والقارئ.. أن يكون الداعم الأول والأخير للمرأة المبدعة؛ لأن الوقوف إلى جانبها، ليس سببه أنها المرأة الضعيفة، بل المرأة القوية به، وبنقده البناء، وبتشجيعه على أن يكون للكلمة المكان اللائق بها. حينما يحدث هذا، سيكون لدينا أدب نسوي متوازن في العلاقة مع الرجل، وليس منحازًا للمرأة وقضاياها، ولا يقف من الرجل موقف العداء، أو مَنْ يتربص بها.
* أخيرًأ، بماذا تحلم سناء خوري المرأة البسيطة في حياتها اليومية، وسناء خوري الشاعرة في حياتها الأدبية؟
** أحلامي على الصعيد الشخصي أحلام وأمنيات امراة عادية وبسيطة، تعشق الحياة، وتريد أن تحيا بهدوء بعيدًا عن الفوضى والتشتت. وأن تكون حياتنا: أنا وأسرتي سعيدة؛ فأحقق لأبنائي ما يطمحون إليه. أما على الصعيد الأدبي، فأتمنى أن أمتلك الوقت والمساحة المناسبة من الحرية؛ لتقديم الكلمة بأسلوب جيد يرضيني، وفي الوقت نفسه، يرضي جميع الأذواق؛ لأن الكلمة هي مادتنا التي نحرك بها الحياة، وهي في حقيقتها، ليست سوى تشكل لصورتنا أمام الآخرين، وما أتمناه، أن تكون تلك الصورة مدهشة على الدوام.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أجرى الحوار: د. إبراهيم أحمد ملحم، موقع اليرموك الإخبارية، الأردن، أغسطس 2014.
للقراءة في مواقع إلكترونيـة أخرى، انظر: ألوان للثقافة والفنون، الأردن، أغسطس 2014.